الجمعة، 13 يناير 2012

هكذا أفلس أغنى رجل في آيرلندا

كوين خسر كل شيء مع انهيار الاقتصاد الآيرلندي


شين كوين أكثر الرجال ثراء في آيرلندا

دبلن: دورين كارفاجال *
على المساحة الخضراء لمقاطعة فيرماناغ، لم يكن هناك من هو أعظم من كوين القوي. إنه الشخص نفسه الذي أُطلق عليه شين كوين، حيث كان زعيما حكيما مع أصدقائه، ويساريا ماكرا مع أعدائه، وأكثر الرجال ثراء في آيرلندا حتى وقت قريب. في ظل الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد، تمثل قصته حتى هذه اللحظة أسطورة وقصة خيالية سلتية عن النضال والصعود، فهو رغم كل شيء، ابن لمزارع أصبح عاملا في المحاجر، ثم أصبح مليارديرا بعد الكفاح والسير وسط الحصى وقليل من الطمع التقليدي، إلى أن انهار كل شيء. ويقول كوين البالغ من العمر 65 عاما إنه خسر كل شيء مع انهيار الاقتصاد الآيرلندي، فقد انهارت إمبراطوريته بالكامل وما تشتمل عليه من مصانع للخرسانة وطواحين هواء وفنادق ومروحية وطائرة خاصة من طراز «فالكون». في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد المقامرة بثروته في استثمارات كارثية، أشهرت محكمة في بلفاست إفلاسه. وقال خلال إجراءات المحاكمة إنه لم يكن يملك سوى 11 ألف يورو وسيارة «مرسيدس» قديمة و166 فدانا. على أي حال كان هذا ما قاله كوين. أما في دبلن، في المؤسسة المالية التي كانت تعرف في السابق باسم «المصرف الأنغلو آيرلندي»، فقد قال المصرفيون المتشككون الذين يتعاملون مع كوين إن تصريحاته خادعة، حيث شكوا في استمرار سيطرة أسرته سرا على الأصول القيمة مثل مركز التسوق في أوكرانيا والعقارات في حيدر آباد ووادي سيليكون في الهند. وبدأ المصرفيون يتتبعون أمواله. ويقول «المصرف الأنغلو آيرلندي»، الذي تورط في مشاكل كثيرة أدت إلى تأميمه، إن ديون آل كوين تبلغ 2.8 مليار يورو، وإن المصرف سيحاول جاهدا إعادة هذه الأموال إلى دافعي الضرائب الآيرلنديين. وتمثل هذه نقطة تحول كبيرة في أحداث مأساة انهيار الاقتصاد الآيرلندي المؤلمة الطويلة.
كان كوين يجسد بطرق كثيرة ازدهار الاقتصاد الآيرلندي. أما الآن، فقد أصبح يجسد انهياره. ومنحت مصارف مثل «المصرف الأنغلو آيرلندي» قروضا كبيرة لبنائين ومستثمرين مثل كوين، لكن عندما ساد الاضطراب سوق العقارات، تجاوزت الديون المعدومة أو شبه المعدومة المستحقة للمصرف الـ70 مليار يورو. واضطرت الحكومة الآيرلندية لإنقاذ قطاع المال، وأدى الانهيار التام في النهاية إلى اللجوء لخطة إنقاذ الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وما زال الاقتصاد الآيرلندي متعثرا حتى اليوم، حيث تعدت نسبة البطالة 14 في المائة وانخفضت أسعار المنازل بنسبة 60 في المائة بعد أن وصلت إلى الذروة. واستمر الاستياء تجاه المقرضين والمقترضين المتهورين. الأمر الأكيد في هذه القصة هو أنها مليئة بالمفاجآت. حيث تواجه محاولة الحصول على أصول قدمها كوين كضمان للقروض التي حصل عليها وإدارتها من قبل «المصرف الأنغلو آيرلندي»، صعوبات غامضة تصل إلى حد العنف أحيانا. في أبريل (نيسان) الماضي، وبعد فترة قصيرة من محاولة المصرف الاستحواذ على مجموعة «كوين غروب» القابضة، هدمت جرافة مواقع خارج مقر الشركة في دريلين، بشمال آيرلندا، حيث تمتلك أسرة كوين مزرعة تناقلتها 5 أجيال. وبعد عدة أشهر، حدث تفجير في سيارة «بي إم دبليو» مملوكة للرئيس التنفيذي الجديد لمجموعة «كوين غروب» الذي عينه المصرف. في ديسمبر (كانون الأول)، اقتحمت شاحنة مخزن الشركة.
لا أحد يعرف من الذي يقف وراء هذه الأعمال التخريبية التي أدانها كوين وأسرته. وأوضح في ملفات القضية أنه يسلم مقر كل يوم وما زال يشعر بألم الخسارة. وقال: «لم أعد أمتلك أو أدير الأعمال التي قضيت عمري أنشئها». وبعيدا عن هذه التأكيدات، يشتبه مصرفيون كانوا يتعاملون معه في الماضي في تدبير كوين لهذه المناورات للتشبث بآخر ما تبقى له من ثورته. ويعتقدون أنه استخدم شركات في الخارج لعرقلة محاولات السيطرة على أملاكه في الخارج، وهو ما نفته أسرة كوين. وقال ريتشارد وودهاوس، محاسب بريطاني يترأس مهمة مصرف «أيريش رزولوشن كوربوريشين» (الأنغلو آيرلندي سابقا) للعثور على أملاك «كوين غروب» حول العالم: «إنها مثل مباراة شطرنج ثلاثية الأبعاد».
في الوقت الذي يدعي فيه كوين الفقر، تتنازع زوجته باتريشا وأبناؤه الـ4 مع المصرف في قاعات المحاكم. إنهم يقولون إنهم غير مديونين للمصرف الآيرلندي، لعدم إدراكهم الوضع عندما وقّعوا أوراق قروض كوين.
لم يتفق أي من الجانبين على الكثير ولا حتى من الذي قال ولا ما قاله. عندما أخبر المصرفيون كوين خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي أنهم سيتولون زمام الأمور، قال كوين إنه سيصارع حتى الرمق الأخير، على حد قول المصرفيين. وكان لأويف، إحدى بنات كوين، تصريح شاعري، حيث قالت: «ضع كلبا في مأزق، وسيظل ينبح». ورفض كوين، الذي نادرا ما يجري مقابلات، التعليق على الأمر. ويمثل التساؤل حول كيفية سقوط شين كوين بهذا الشكل قصة الأوقات العصيبة للاقتصاد الآيرلندي. الجدير بالذكر أن جون إغناتيوس كوين دخل مجال الأعمال عام 1975، عندما اقترض 100 جنيه آيرلندي لحفر محجر للحصى في مزرعة عائلته.
وبعد أن أقام إمبراطوريته العالمية اقترض عام 2007 مليارات للمقامرة على أسهم «المصرف الأنغلو آيرلندي». وبعد تردد منح المصرف المال لكوين. وأملا منه في جني أرباح سريعا، قامر على العقود الاشتقاقية والأدوات المالية التي ثبتت عواقبها الكارثية على شركات أميركية عالمية. وراهن بالتحديد على ما يعرف باسم «عقود الفرق» التي تستخدم للتكهن بأسعار أصول بعينها، وكانت في تلك الحالة أسهم «المصرف الأنغلو آيرلندي». وكانت هذه العقود منتشرة جدا في آيرلندا خلال فترة الازدهار. ومن أسباب ذلك إتاحتها للمستثمرين إدراج نسبة متدنية من الأسهم تصل إلى 10 في المائة من قيمة الاستثمار، مما يمكنهم من تحقيق أرباح كبيرة إذا كانت أسعار الأسهم لصالح المستثمر، وتؤدي إلى كارثة إذا كانت عكس ذلك. بالنسبة لكوين، تبين أن العقود كارثية، حيث كانت خسائره كبيرة، ومع انهيار الاقتصاد الآيرلندي، انهارت إمبراطوريته. الآن فقط يرى آل كوينز أن الحصول على قروض من «المصرف الأنغلو آيرلندي» لم يكن سليما. ويقولون إن المصرف بذر المال، وإنه كان يأمل أن تساعد مناورات كوين في أسواق المال على دعم سعر أسهمه.
لقد كان «المصرف الأنغلو آيرلندي» هو الجاني لا شين كوين من وجهة نظرهم. وقالت أويف، البالغة من العمر 30 عاما، وهي تحتل الترتيب الرابع بين أبنائه الـ5: «لقد كانوا سيحملون والدي مسؤولية انهيار أوروبا إن استطاعوا. أعلم أنه ليس ملاكا ويستحق اللوم، لكن يبدو أنهم عازمون على تدميره».
وقضى الطرفان الشهر الماضي في محكمة الإفلاس في شمال آيرلندا وينتظرون حاليا الذهاب إلى المحكمة مرة أخرى خلال العام الحالي في آيرلندا. وطعن المصرفيون على إشهار كوين إفلاسه، حيث يتيح ذلك له النهوض خلال عام لاستكمال نشاطه التجاري، كما تعهد. ويبدو أن الطرفين يلعبان لعبة القط والفأر، لكن ترى من منهما القط ومن الفأر؟ رغم أن كوين أشهر إفلاسه، فإنه لا يزال يعيش في قصر فخم مملوك لأبنائه الـ5 في باليكونيل بآيرلندا. ويمثل حجم إمبراطورية كوين الهائل تحديا كبيرا بالنسبة للمصرفيين، حيث يمتلك 70 شركة في 14 دولة. وكل أسبوع يحصل المصرفيون على عدد هائل من التقارير حول مناوشات قانونية في عدد من الدوائر القضائية.
كان كوين القوي لا يزال يحلق عاليا عندما حدثت الأزمة العالمية عام 2008، ففي ذلك العام بلغت تقديرات ثروته بحسب مجلة «فوربس» 6 مليارات دولار، وكان يبلغ عدد العاملين في شركاته نحو 6 آلاف، ومن بينهم أبناؤه الـ5 الذين بدأوا العمل لدى أبيهم خلال فترة المراهقة، حيث كانوا يجمعون الأحجار من ملعب الغولف المملوك للأسرة. نادرا ما يتحدث كوين للناس، لكنه ألقى عام 2005 خطابا تنبؤيا حول طريقة عمله الصعبة، حيث قال: «افترض أنني كنت دائما طماعا، فلم أكن أبدا راضيا عما كان لدينا، وكنت أتطلع دوما إلى فرص جديدة».
الخريف الماضي كان شين كوين مختلفا تماما خارج قاعة المحكمة، حيث قال إنه كان ضحية ساذجة للذعر المالي العالمي الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد الآيرلندي. وأضاف: «كان هناك أشخاص مثلي حمقى إلى درجة جعلتهم يتورطون ويقترضون مبالغ ضخمة من المال ويصدقون المصارف». بسبب كل مشاكله يظل كوين شخصية تقترب من الأبطال الأسطوريين في المنطقة التي تشمل شمال آيرلندا وجمهورية آيرلندا ذات الأغلبية الكاثوليكية، فقد جلب الوظائف لمنطقة فقيرة عانت من قصف وتفجيرات الجيش الجمهوري الآيرلندي.
لقد صاغ كوين خطابا عاما له بوصفه مليارديرا شابا عاديا يلعب البوكر ويتجنب شؤون المشاهير ويخطط ليُدفن في مسقط رأسه في أبرشية سانت ماري الكاثوليكية في تيمور بشمال آيرلندا، حيث كان عضو مدى الحياة لنادي كرة القدم «شامروكس غيلك». وتقول ابنته أويف وأختها كيارا البالغة من العمر 35 عاما إن والدهما غرس في الأسرة قيم المثابرة والجد في العمل. خلال مقابلة دامت لساعتين في مكتب مسؤول العلاقات العامة لديهم في دبلن، دافعت الشقيقتان بشدة عن والدهما وقالتا إن الأسرة تورطت في هذا الكابوس. وقالت كيارا كوين، الممرضة التي عملت في شركة تأمين «كوين» حتى تم تسريحها في ظل عملية منهجية: «أبي يعمل بجد وبلا ملل طوال أيام الأسبوع، وأسس كيانا حقيقيا دائما لمجتمع كان منهارا. لم يأخذ أبي إجازة أسبوعين في حياته». ولم تكن أمهما باتريشا كوين موفقة في المحكمة في ديسمبر (كانون الأول) عندما قالت إنها غير مسؤولة شخصيا عن القرض الذي يبلغ قدره 3 ملايين يورو، الذي لم يتم تسديده. وقالت إنها وقعت على أوراق القرض دون قراءتها تحت تأثير زوجها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق